Friday, April 26, 2013

مراجعة كتاب: "الحادث الأصلي" لباول فيريليو

              
".أختراع السفينة أو الباخرة هو اختراع لحادث تحطمها
   ~بول فيريلو, الحادث الأصلي, ص. 10

إننا نستخدم التكنولوجيا وندخلها إلى حياتنا على افتراض أنها تجعل حياتنا أسهل وأفضل. لكن هل هذا ما يحصل على أرض الواقع فعلا؟ في كتابه المعنون الحادث الأصلي- The Original Accident (المنشور عام 2007 والمترجم إلى الإنجليزية بواسطة جولي روز) يرى الخبير المعماري والمفكر الفرنسي بول فيريليو أن كل ما يمكننا رؤيته حتى هذه اللحظة هو الخوف, والريبة والخطر. يناقش فيريليو هذه النقطة بالقول بأن كل اختراع تقني جديد نقوم به يصاحبه ضمنيا اختراع للكارثة أو التهديد الذي ربما ينجم عنه. ففي الصفحة رقم 10 من الكتاب, يلخص الكاتب فكرته باقتضاب بقوله: "’لا يوجد علم خاص بدراسة الحادث,’كما حذرنا أرسطو منذ زمن طويل. وبالرغم من وجود دراسات تختص بتقييم الأخطار, إلا أنه لا يوجد ما يمكن تسميته بـعلم الحوادث, بل فقط عملية من الاكتشاف التصادفي, والاختراع الأركيوتجنولوجي. فاختراع الباخرة هو اختراع لحادث تحطم الباخرة. كما أن اختراع السيارة العائلية هو إنتاج لتراكم السيارات على الطريق السريع." فكما هو واضح, حسب رأي فيريليو, فإن كل اختراع تقني جديد يحمل معه كارثته المحتملة. ثم يوضح الكاتب اختلافه مع ما ذهب إليه أرسطو, حول عدم وجود علم خاص بدراسة الحوادث, مؤكدا أن هذا لم يعد دقيقا في عصر نظم المحاكاة الحاسوبية الدقيقة التي تعمل بكفاءة عاليه على البحث عن مكامن الخطر والتهديد المحتملة وإزالتها وتلافيها.
من خلال أسلوب كتابته الفلسفي الذي يتسم بالعمق و التشاؤم بعض الشيء, يسترسل بول فيريليو في طرح أفكاره من خلال إضافة المزيد من الأمثلة من مجالات السياسة والاقتصاد والعلوم والإعلام والحرب والعسكرية و غيرها. فعلى سبيل المثال, ينتقد الكاتب دور الإعلام فيما يراه توجيها للرأي العام وتلاعبا بمشاعر العامة. فحول تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001, يعلق بقوله(صفحة 20): "منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, كما لاحظنا جميعا, فإن التغطية الإعلامية لأعمال العنف توسعت في كل مكان. فمن حالة التراخي المحلي إلى العنف المفرط المتمثل في الإرهاب, لم يتمكن أحد من الفرار من هذا التطرف المتصاعد لفترة طويلة. وتراكم الجنايات ذات الطبيعة المختلفة أعطى انطباعا بأن كل أشكال الحماية انهارت مع انهيار مركز التجارة العالمي." وعليه فإن فيريليو يرى أن هذه الصورة شكلت عند الجماهير نوعا من القلق الشديد من انعدام الأمن العام والإرهاب المحلي الذي أمعن الإعلام في تضخيمه واستغلاله أكثر فأكثر.
يقوم فيريليو بعمل جيد في إثارة التساؤلات والقضايا حول دور التكنولوجيا والإعلام في حياتنا. وقد يوافق متابعوا أفلام وروايات الخيال العلمي أن دراسة عن كثب لأدبيات وأعمال الخيال العلمي يمكن أن توفر لنا فهما واضحا للرسالة التي يسعى فيريليو إلى إيصالها لنا من خلال هذا الكتاب. فلا يسع المرء إلا أن يلاحظ أن معظم أفلام الآكشن والخيال العلمي تدور أحداثها حول فكرة أن حادثا كبيرا يقع حيث لم يكن وقوعه في الحسبان, رغم كافة الاحتياطات والإجراءات المتبعة لتفاديه. ففي الفيلم إيجيل آي - Eagle Eye مثلا, نرى كيف أن اختراع نظام "الإيجيل آي" المحكم حدث بالتزامن معه بشكل ضمني اختراع لذلك الحادث حيث يخرج هذا النظام عن السيطرة ويبدأ بالتحكم في كل شيء. بيد أنه ربما نجد مثالا أفضل وأوضح من ذلك في أكبر أعمال الأديبة الإنجليزية ماري شيلي (Mary Shelley) وهو روايتها الشهيرة فرانكنشتاين (Frankenstein), حيث كان اختراع ذلك المخلوق الضخم, من خلال عملية علمية غير تقليدية, بمثابة اختراع للوحش الكاسر الذي لا يلبث أن يخرج عن سيطرة صانعه المغلوب على أمره ويبدأ بالتحكم فيه. علاوة على ذلك, نجد هذا يذكرنا بأن اختراع العالم جي روبرت أوبنهايمر (J. Robert Oppenheimer) المؤسف للقنبلة الذرية كان بمثابة اختراع لضربات هريوشيما ونجاساكي المروعة التي وقعت أواخر الحرب العالمية الثانية.
لغة الكتاب عموما تتصف بشيء من الغموض الذي ربما يتعثر استيعابه بسهولة على القارئ العادي, مع الكثير من العبارات والمصطلحات الفلسفية والغامضة المبعثرة خلال فصوله. يتألف الكتاب من جزءين رئيسين, حيث يضم الجزء الأول سبعة فصول, والثاني ثلاثة فصول, ومجموع صفحاته هو 120 صفحة بما في ذلك قسم الملاحظات, وقائمة المراجع وقائمة المصطلحات. ويمكن الحصول على الكتاب من خلال موقع أمازون- Amazon.com بسعر $16.98 دولارا.

No comments:

Post a Comment