Sunday, April 28, 2013

Book Review: "The Original Accident" by Paul Viliro



To invent the sailing ship or the streamer is to invent the shipwreck.”
~ Paul Virilio, The Original Accident, p. 10

Technology is supposed to make our lives easier and better. But is this the case in reality? In his book, The Original Accident (published in 2007, translated into English by Julie Rose), the French cultural theorist and urbanist Paul Virilio claims that all we can see up to this point in time is fear, uncertainty and danger. He argues that technology cannot exist without its dark side of potential disaster and accidents. The following quotation from page 10 of the book sums it all up as follows: “‘There is no science of the accident, ‘Aristotle cautioned a long time ago. Despite the existence of risk studies which assess risks, there is no accidentology, but only a process of fortuitous discovery, archeotechnological invention. To invent the sailing ship or streamer is to invent the shipwreck. To invent the family automobile is to produce the pile-up on the highway.” As can be seen, according to Virilio, every new invention holds within it its own potential catastrophe. Virilio then states his disagreement with Aristotle about the inexistence of a “science” dedicated for studying accidents, explaining that this is no longer the case in the age of highly complex simulation systems designed to predict and avoid potential threats and disasters. 
With a deeply philosophical, intriguing and kind of pessimistic style of writing, Paul Virilio further explains his views by bringing up examples from politics, economics, science, military, media and others. For instance, he highly criticizes the role media plays in shaping and manipulating public opinion and emotion. With regards to the coverage of the 9/11 attacks, he remarks (p. 20): “Since September 2001, as we’ve all been able to observe, media coverage of acts of violence has everywhere expanded. From local delinquency to the global hyperviolence of terrorism, no one has managed to escape this escalating extremism for long. And the accumulation of felonies of different nature has given the impression that all forms of protection have collapsed at the same time as the fall of the World Trade Center.” And so this image, according to Virilio, created in televiewers a sense of “stereo-anxiety, a massive fear of the public insecurity and domestic terror that was even further intensified and sensationalized by mainstream media.
This book generally does a great job at raising the reader’s eyebrows, posing critical questions about the role of technology in our lives. And fans of Science Fiction movies and novels would probably agree that a close examination of Sci-fi literature may give us a crystal clear understanding of Paul Virilio’s message through this book. For instance, one would not help but realize that most Sci-fi and action movies and literature revolve around the idea that a terrible disaster takes place where it is least expected. In the movie Eagle Eye, for example, we can see how the invention of the Eagle Eye system carried imbedded within it the invention of the accident where the system gets out of control. And perhaps even a better example would be found in Mary Shelley’s most famous work, Frankenstein, where the invention of that big creature, through an unorthodox scientific process, was an invention of a great monster that would later break loose and gain control over his helpless maker. Furthermore, this reminds us of how J. Robert Oppenheimer’s most unfortunate invention of the atomic bomb was an invention of the terrible Hiroshima and Nagasaki attacks towards the end of WWII.
Average readers may find the language of the book a bit difficult to keep up with, for it contains a lot of complex philosophical terms and concepts which are scattered throughout the chapters. It consists of two main parts, with the first part containing seven chapters, and the second three chapters, for a total of 120 pages including the Notes, Bibliography and Index.
The book can be found online on Amazon, with a price tag of USD $16.98.



Friday, April 26, 2013

مراجعة كتاب: "الحادث الأصلي" لباول فيريليو

              
".أختراع السفينة أو الباخرة هو اختراع لحادث تحطمها
   ~بول فيريلو, الحادث الأصلي, ص. 10

إننا نستخدم التكنولوجيا وندخلها إلى حياتنا على افتراض أنها تجعل حياتنا أسهل وأفضل. لكن هل هذا ما يحصل على أرض الواقع فعلا؟ في كتابه المعنون الحادث الأصلي- The Original Accident (المنشور عام 2007 والمترجم إلى الإنجليزية بواسطة جولي روز) يرى الخبير المعماري والمفكر الفرنسي بول فيريليو أن كل ما يمكننا رؤيته حتى هذه اللحظة هو الخوف, والريبة والخطر. يناقش فيريليو هذه النقطة بالقول بأن كل اختراع تقني جديد نقوم به يصاحبه ضمنيا اختراع للكارثة أو التهديد الذي ربما ينجم عنه. ففي الصفحة رقم 10 من الكتاب, يلخص الكاتب فكرته باقتضاب بقوله: "’لا يوجد علم خاص بدراسة الحادث,’كما حذرنا أرسطو منذ زمن طويل. وبالرغم من وجود دراسات تختص بتقييم الأخطار, إلا أنه لا يوجد ما يمكن تسميته بـعلم الحوادث, بل فقط عملية من الاكتشاف التصادفي, والاختراع الأركيوتجنولوجي. فاختراع الباخرة هو اختراع لحادث تحطم الباخرة. كما أن اختراع السيارة العائلية هو إنتاج لتراكم السيارات على الطريق السريع." فكما هو واضح, حسب رأي فيريليو, فإن كل اختراع تقني جديد يحمل معه كارثته المحتملة. ثم يوضح الكاتب اختلافه مع ما ذهب إليه أرسطو, حول عدم وجود علم خاص بدراسة الحوادث, مؤكدا أن هذا لم يعد دقيقا في عصر نظم المحاكاة الحاسوبية الدقيقة التي تعمل بكفاءة عاليه على البحث عن مكامن الخطر والتهديد المحتملة وإزالتها وتلافيها.
من خلال أسلوب كتابته الفلسفي الذي يتسم بالعمق و التشاؤم بعض الشيء, يسترسل بول فيريليو في طرح أفكاره من خلال إضافة المزيد من الأمثلة من مجالات السياسة والاقتصاد والعلوم والإعلام والحرب والعسكرية و غيرها. فعلى سبيل المثال, ينتقد الكاتب دور الإعلام فيما يراه توجيها للرأي العام وتلاعبا بمشاعر العامة. فحول تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001, يعلق بقوله(صفحة 20): "منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, كما لاحظنا جميعا, فإن التغطية الإعلامية لأعمال العنف توسعت في كل مكان. فمن حالة التراخي المحلي إلى العنف المفرط المتمثل في الإرهاب, لم يتمكن أحد من الفرار من هذا التطرف المتصاعد لفترة طويلة. وتراكم الجنايات ذات الطبيعة المختلفة أعطى انطباعا بأن كل أشكال الحماية انهارت مع انهيار مركز التجارة العالمي." وعليه فإن فيريليو يرى أن هذه الصورة شكلت عند الجماهير نوعا من القلق الشديد من انعدام الأمن العام والإرهاب المحلي الذي أمعن الإعلام في تضخيمه واستغلاله أكثر فأكثر.
يقوم فيريليو بعمل جيد في إثارة التساؤلات والقضايا حول دور التكنولوجيا والإعلام في حياتنا. وقد يوافق متابعوا أفلام وروايات الخيال العلمي أن دراسة عن كثب لأدبيات وأعمال الخيال العلمي يمكن أن توفر لنا فهما واضحا للرسالة التي يسعى فيريليو إلى إيصالها لنا من خلال هذا الكتاب. فلا يسع المرء إلا أن يلاحظ أن معظم أفلام الآكشن والخيال العلمي تدور أحداثها حول فكرة أن حادثا كبيرا يقع حيث لم يكن وقوعه في الحسبان, رغم كافة الاحتياطات والإجراءات المتبعة لتفاديه. ففي الفيلم إيجيل آي - Eagle Eye مثلا, نرى كيف أن اختراع نظام "الإيجيل آي" المحكم حدث بالتزامن معه بشكل ضمني اختراع لذلك الحادث حيث يخرج هذا النظام عن السيطرة ويبدأ بالتحكم في كل شيء. بيد أنه ربما نجد مثالا أفضل وأوضح من ذلك في أكبر أعمال الأديبة الإنجليزية ماري شيلي (Mary Shelley) وهو روايتها الشهيرة فرانكنشتاين (Frankenstein), حيث كان اختراع ذلك المخلوق الضخم, من خلال عملية علمية غير تقليدية, بمثابة اختراع للوحش الكاسر الذي لا يلبث أن يخرج عن سيطرة صانعه المغلوب على أمره ويبدأ بالتحكم فيه. علاوة على ذلك, نجد هذا يذكرنا بأن اختراع العالم جي روبرت أوبنهايمر (J. Robert Oppenheimer) المؤسف للقنبلة الذرية كان بمثابة اختراع لضربات هريوشيما ونجاساكي المروعة التي وقعت أواخر الحرب العالمية الثانية.
لغة الكتاب عموما تتصف بشيء من الغموض الذي ربما يتعثر استيعابه بسهولة على القارئ العادي, مع الكثير من العبارات والمصطلحات الفلسفية والغامضة المبعثرة خلال فصوله. يتألف الكتاب من جزءين رئيسين, حيث يضم الجزء الأول سبعة فصول, والثاني ثلاثة فصول, ومجموع صفحاته هو 120 صفحة بما في ذلك قسم الملاحظات, وقائمة المراجع وقائمة المصطلحات. ويمكن الحصول على الكتاب من خلال موقع أمازون- Amazon.com بسعر $16.98 دولارا.

Friday, October 19, 2012

خاطرة: جلسةُ صمتٍ .. قُربَ شاطىء البَـحر

جلس على تلك الصخرة قرب شاطئ البحر,
 تحت قبة الليل الكئيب,
 أفكاره مشوشة وذهنه شارد كعادته,
 يحتسي كأسه المعتاد من الصمت المطبق,
 يكتسي عينيه بريق غريب,

 مدَّ يده ليلتقط حجرا صغيرا,
 ألقى به في الماء ليفُض سبات الموج,

 ثم قام بعدها,
 وذهب..

Saturday, March 31, 2012

بلا عنوان..

لعل التناقض الذاتي والبراجماتية العلمية الباردة هما أبرز ما يجب توفره في كل من يود أن يحظى بمنحة الانتساب إلى هذا العصر الرقمي المتسارع. إذ لم يعد للصدق مع النفس -بمعناه الحقيقي العميق- أي قيمة تذكر. طبعا هذا إذا افترضنا -جدلا- أنه لم يصبح من الموبقات والمحرمات التي يحاسب عليها القانون.

 ما قد يدفع الناظر إلى الواقع بعين تأملية تحليلية إلى مثل هذا الاعتقاد هو أنه بات من الملحوظ بشكل واضح أن المبادئ السامية التي ما فتئ إنسان هذا العصر ينادي إليها ويحلم بها هي آخر ما يحترمه ويلتزم بتطبيقه على أرض الواقع. بل إن هذا التناقض "الشيزوفريني" بات يتعدى ذلك إلى أن أصبحت المناداة بمبادئ وشعارات من قبيل "الحرية" و"العدالة" و"المساواة" و"حقوق الإنسان" ونحوها من الشعارات البراقة التي سئمنا سماعها و"هرمنا" من أجل "لحظة تاريخية" نرى فيها تلك الشعارات وقد ولدت من رحم الكلام والصدح الذي يصم الآذان بلا نتيجة.. إلى نور الواقع, كل تلك الشعارات باتت المناداة بها تتزامن وتتلازم مع تطبيق ما يناقضها جملة وتفصيلاً! فكأنما هي ثوب أو قطعة قماش تفصل وتلبس كيفما اتفق, يؤخذ منها ما يناسب الأهواء والمصالح ويلقى بما دون ذلك بعيدا.

غير أننا لا نستطيع أن نلقي باللوم كله على إنسان هذا العصر, ذلك أنه في النهاية يظل ربيب الثقافة الاستهلاكية الرقمية التي ولد فوجد نفسه في أحضانها, وبالتالي فهو لا يملك من أمره الكثير حيالها. لكن في ذات الوقت لا يكمننا أن نعفيه من كامل مسؤوليته تجاه هذه المعضلة. فهو يظل في نهاية المطاف إنسانا ذو كيانٍ مركب متجاوز لحتمية المادة والأرقام والسلع والأشياء (رغم كل المحاولات الدّؤوبة التي بذلت في سبيل إذابته فيها وجعله جزءا لا يتجزأ منها وتجريده من قدرته على الفكاك من براثنها). إذ يظل لديه ضمير ووعي حي سيظل حاضرا وحيا فيه ما بقي بين جنبيه قلب ينبض وعقل يفكر وضمير ينظر ويتأمل.

Sunday, March 18, 2012

ألا يفترض أن يكون في المدرسة؟؟

   لم يقل شيئا، بل اكتفى فقط بأن فتح الباب فجأة ومد يده التي يحمل بها "كروتا" كُتبت عليها أدعية وأذكار وآيات قرآنية في مشهد ليس غريبا على أحد منا، غير أن الجديد هذه المرة أن ما حدث لم يكن فقط داخل الحرم الجامعي بل بين قاعات المحاضرات أيضا!



“Isn't he supposed to be at school now?!”


   كان هذا هو السؤال الذي نطق به مدرسنا الأمريكي الوافد من ولاية لويزيانا داخل قاعة المحاضرة، نظر هذا الوافد إلى بلادنا بدهشة وامتعاض عندما رأى ذلك المشهد، ويبدو أنه لم يعتد على رؤية الأطفال يبيعون "كروت" الأدعية بين ردهات وقاعات الجامعة في الوقت الذي يفترض فيهم أن يمضوه في فصول مدرستهم يتعلمون ويلعبون. هذا على عكسنا نحن تماما، حيث مر مشهد الطفل وبيده "الكروت" أمامنا هكذا ببساطة وكأنه أمر عادي تماما، لكن إن كنا صادقين مع أنفسنا فهو ليس كذلك أبدا!

“What a shame!”

   إنه لمن المؤلم حقا أن يمر مشهد الطفل ذو الثياب البالية الرثة يبيع اللبان (العلكة) أو يمسح زجاج السيارة بخرقة قماش متسخة أمام أعيننا دون أن يرف لنا جفن، ثم نمضي في طريقنا وكأننا لم نر شيئا يستحق الاهتمام! .. إنه لأمر مخجل ويفتح الباب للمزيد من الاسئلة التي تتعلق بطفولة هؤلاء الأطفال المهدورة بين الأرصفة وعلى شوارع المدينة!

   قد نتفق (أو لا نتفق) على أن موضوع التسوّل بصفة عامة موضوع شائك و علاجه معقد ويحتاج إلى وقت وجهد، إذ لم نعد نميز المتسول المحتاج حقا من ذاك الذي اتخذ من التسوّل مهنة أو حرفة.. أو "بيزنس" كما يقولون.

   ولكن عندما يتعلق الموضوع بفلذات أكبادنا ومن يفترض بنا أن نعاملهم على أنهم "جيل المستقبل" فهنا يتضح أن الأمر أكبر خطورة مما يبدو عليه، وأنه بحاجة إلى حل جذري في أقرب وقت ممكن. هذا إذا كنا جميعا نتفق على أن دفع  الأطفال إلى الشوارع وتعليمهم أساليب التسول وفنونه، فيقضون بذلك فترة حياتهم بين الشوارع وبين مراكز الأمن والسجون (والتي سرعان ما يعودون إلى عادتهم القديمة فور خروجهم منها لضعف الرادع القانوني أو حتى غيابه للأسف الشديد) بدلا من أن يتعلموا علما نافعا أو حرفة شريفة تكسبهم قوت يومهم بكرامة هي معضلة شنيعة يعد تجاهلها وغض الطرف عنها جريمة سنحاسب عليها أمام الله!


….

Tuesday, March 13, 2012

استطراد: التفكير بطريقة مختلفة


 هذا المقال تابع للمقال السابق.


    بداية، وقبل الدخول في صلب الموضوع، أود أن أبدأ بالتنويه الذي أنهيت به مقالتي السابقة، وهو أن تناولي لشركة "آبل" هنا ليس استهدافا لها بحد ذاتها كشركة. إنما القصد هو تناولها باعتبارها أنموذجا حيا يجسد جانبا كبيرا من النظام الرأسمالي.

 
  • فكر بطريقة مختلفة:
لعل من أبرز ما يلفت انتباه الناظر إلى إعلانات شركة آبل وشعاراتها هو جملة "فكر بطريقة مختلفة" (Think differently). صحيح أنه تم التوقف عن استخدامه قبل سنوات، لكن دلالته  لا ينبغي أن نغض الطرف عنها. فللوهلة الأولى يشعرك هذا الشعار البسيط الرنان بالارتياح، ولكن مهلا.. ماذا تعني هذه العبارة في ظل السياسة التي تتبعها الشركة؟ في الحقيقة هي لا تعني شيئا. أو على الأقل لا وجود لعلاقة منطقية بينها وبين ما نظن أنها تعنيه. فهي يمكن اعتبارها تناقضا غريبا وطريفا بعض الشيء. ولكن ما هو أهم من ذلك أن دلالته الفكرية تشكل نموذجا حيا يلخص الحالة تماما ويظهرها بوضوح.

 فعندما يدعونا الشعار للتفكير بطريقة مختلفة، فمن المفترض أن يكون لذلك محل من الإعراب ضمن المنظومة التي تعمل الشركة في إطارها. لكن ذلك لا وجود له فعليا. فآبل شركة احتكارية بامتياز، فلا يمكن التعامل مع ما تقدمه من منتجات وخدمات إلا ضمن علاقة البائع والزبون فحسب. وليس هناك خيارات كثيرة أمام الزبون، وبالتالي فإن التفكير "بطريقة مختلفة" ليس مجديا وليس له معنى.

فالصورة هنا أشبه بصورة الأنظمة الاستبدادية التي ترتدي ثوبا زائف من الديمقراطية. فالديمقراطية وحرية التعبير هنا لا تعدو كونها شعارات لا تعدو كونها حبرا على ورق.

 فالمستخدم لما تنتجه آبل، ليس له الحق في أن يعدل عليه أو يطوره أو يضيف إليه. وبالتالي فأي فكرة تخطر ببالك لا يمكنك أن تطبقها على أرض الواقع فعليا.

لكن قد يكون هناك مقصدا آخر من وراء هذه العبارة وهي أن اقتناءك واستخدامك للآيفون أو الآيباد مثلا (بدلا من ما يشبهه من منتجات الشركات الآخرى)، تجعل منك شخصا مختلفا!
و لعل هذا التفسير أكثر منطقية من السابق، مما يجعله أكثر خطورة وأهمية. ذلك أن آبل تشتهر بمقدرتها الفائقة على تحويل مستخدميها إلى جماعة من المعجبين المغرمين بها. فهم لا يتوقفون على مدحها والتسبيح بحمدها اعتقادا منهم أنها تسعى دوما لراحتهم وتسهيل حياتهم. لا شك أن منتجات آبل ذات جودة عالية ورفاهية كبيرة (رغم تحفظي الشديد على هذه العبارة)، لكن هل هذا هو كل شي؟ لن أجيب عن هذا السؤال تجنبا للإطالة، لكن ربما في مقال قادم بإذن الله.

Monday, February 20, 2012

الجزء المأكول من التفاحة


   قال بينجامين فرانكلين ذات مرة أن أولئك الذين يضحون بحريتهم في سبيل حصولهم على الأمن لا يستحقون أيا منهما. والحقيقة أن قولا مشابها يمكن أن يقال عن علاقة الحرية والأمن بالرفاهية والسهولة ورغد العيش. فعندما يكون السعي نحو الرفاهية الزائدة على حساب الحرية والأمن فعندئذ يتضح أننا لا نستحق أيا من ذلك على الإطلاق.

   وللأسف, فنحن نعيش اليوم في عصر سيطرت عليه  الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الضخمة, وتحكمه استراتيجيات التسويق التجاري وخططه المحكمة وأساليبه التي لا تدع مجالا ولا تألوا جهدا في دفع الناس نحو الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك دون تفكير أو تدبر.

   وإن التطور التقني الذي وصل اليوم إلى تسارع مرعب لم يعد يبقي ولا يذر. وباتت الآلة الإنتاجية تدور دون توقف, وأصبح تسويق المنتجات يعتمد بصورة أساسية على الإبهار والتشويق بشكل أساسي. والهدف من ذلك كله هو الوصول بالمستهلك إلى مرحلة يشعر فيها بأن هذه الشركة أو تلك تكرس جل وقتها ومالها من أجل إسعاده وتسهيل حياته وإضفاء جو من الراحة والمتعة عليها, في حين أن كل ما تسعى إليه هو في الحقيقة ليس سوى تدجينه وبرمجته إلى درجة ان يتعرف على ذاته وشخصيته من خلال ما يستهلكه من منتجاتها (هربرت ماركوز).

   و إن الصورة التي ارتأيت أن نأخذها كنموذج لتقريب الفكرة تتمثل في شعار شركة "آبل" الشهير. فهو عبارة عن تفاحة أكلت منها قضمة واحدة. و سواء أكان هذا الشعار مقصودا لهذا الغرض أم لا إلا أنه ما زال يحمل في طياته ذلك المعنى الذي نتحدث عنه. فشركة آبل تمنح زبائنها و"عشاقها" الكثير من الجودة الرفاهية وسهولة الاستخدام, ولكنها في المقابل تأخذ منهم شيئا أكثر أهمية وخطورة من ذلك كله. فهي تتحكم بكل ما ينزل على أجهزتهم من البرامج, وتدفعهم دائما إلى الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك. ولا أدل على ذلك من إصدارهم لمنتجاتهم وهي تفتقد إلى أبسط المواصفات والخصائص في البداية ثم تشرع بعد ذلك تدريجيا بإضافة المزيد من المواصفات في الإصدارات اللاحقة.

   و مهما كانت مساوئ وسلبيات ما تصدره آبل من الأجهزة إلا أن ذلك لن يكون له ذلك الحضور الكبير (إن وجد أصلا) ضمن المنطق الذي يفكر به عشاق هذه الشركة وزبائنها الأوفياء. وهذا لعدة أسباب. فمنها أن الشركة وصلت عند شريحة كبيرة من الناس إلى منزلة تكاد تكون من الأهمية والعلو لدرجة حصولها على ثقتهم التامة (والعمياء في معظم الأحيان). طبعا فضلا عن أن زعيمها الراحل ستيف جوبز كان يعتبر من قبل كثير من الناس وكأنه كاد يبلغ درجة النبوة! فكان لخطاباته وكلماته تأثير سحري عجيب على الكثير من الناس. وبمجرد أن يميط الغطاء عن منتجه الجديد كان وقع ذلك على جمهوره كما لو أنه قدم لهم الحل السحري لكل مشاكل العالم! إلا أنه في واقع الأمر لم يقدم لهم سوى مادة استهلاكية جديدة يدفعهم بحضوره الساحر وأسلوبه البارع في الخطاب والحديث وجذب الانتباه إلى الإلقاء بالمزيد من الأموال الطائلة في جيبه للحصول عليها!

  وفي هذا الصدد, تتبادر إلى الذهن صورتان من وحل الواقع تزيدان الفكرة وضوحا. فأما الصورة الأولى فهي عندما نضع مشهد عشاق "آبل" في إحدى البلدان الأوروبية وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء بالآلاف (!) أمام فروع الشركة في الليلة التي تسبق إصدار المنتج الجديد من أجل أن يتسابقوا لكي يكونوا من أوائل من يحصلون عليه, إلى جانب مشهد آخر في إحدى البلدان الإفريقية التي تمزقها المجاعة حيث يقف الأطفال مع أمهاتهم وهم حفاة عراة أمام خيام هيئات الإغاثة والصليب الأحمر أملا في الحصول على علاج ورغيف خبز!

  وأما الصورة الثانية, فهي في الواقع لا تخرج من حدود أمريكا نفسها, وهي عندما نضع خبر وفاة ستيف جوبز وردة الفعل الكبيرة تجاهه في كافة وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية, ومدى الصدمة التي انتابت شرائح كبيرة من الناس حتى ممن ليسو من محبي شركة آبل, إلى جانب خبر وفاة أحد أهم علماء الحاسوب في العالم وهو دينيس ريتشي "Dennis Ritchie" والذي لم يلق هذا الانتباه الكبير, حيث مات الرجل ولم يسمع بوفاته (أو حتى يعرفه) إلا المتخصصون في مجال علوم الحاسوب فقط(و ليس كل هؤلاء أيضا). طبعا هذا على الرغم من أن ستيف جوبز ودينيس ريتشي قد توفيا في فترة متقاربة جدا.

 فأما في الصورة الأولى فنرى بوضوح الفرق بين الرجل الأبيض وحلمه الاستهلاكي النهم من جهة وبين حلم الطفل الإفريقي الجائع الذي لا يتعدى الحصول على دواء وكسرة خبز  تسد جوعه من جهة أخرى.

 وأما في الصورة الثانية, فنرى مدى "لا عقلانية" النظام الرأسمالي الأمريكي. و لتتضح هذه  الصورة لنتدحث قليلا عن دينيس ريتشي لنتعرف على هذا الرجل عن قرب. فدينيس ريتشي هو عالم حاسوب أمريكي اشتهر وارتبط اسمه بتصميم لغة البرمجة "سي" و التي هي تمثل النواة التي انبثقت عنها كافة تطبيقات الحاسوب التي نعرفها الآن. فمن لغة "سي" خرجت لغة ال"سي++" على يد عالم الحاسوب الدنماركي ستراوستروب, ومن لغة ال"سي" أيضا خرج نظام التشغيل "يونكس" (Unix) والذي بني على أساسه نظام الiOS (وهو نظام التشغيل الذي تملكه "آبل"), بل وحتى نظام اللينكس "Linux" مفتوح المصدر  لو لا لغة البرمجة "سي" لما كان له وجود كما نعرفه اليوم. وهناك المزيد أيضا ولكن منعا للإطالة سنكتفي بهذا الكم من الأمثلة.

  يتضح الآن أنه تبعا للنظام الرأسمالي الأمريكي, فإن الغلبة والشهرة لا علاقة لها بالإنجازات والنجاحات على أرض الواقع بقدر ما تتعلق بما يملكه المرء من سلطة المال والنفوذ, أو ببساطة, بمقدرة المرء على الظهور أمام شاشات التلفاز العالمية. كما يتضح أيضا أن الحلم الأمريكي لا يعدو كونه حلما فحسب! فكما قال نجم "الستاند أب كوميدي" الأمريكي الراحل جورج كارلن "فإن الحلم الأمريكي إنما سمي بهذا الاسم لأنه ينبغي عليك أن تكون نائما حتى تصدقه!".

   و في الختام, بقي أن أوضح أن حديثنا عن شركة "آبل" في هذا المقال لا يقصد به انتقاد هذه الشركة والهجوم عليها (و على زعيمها الراحل ستيف جوبز) بحد ذاتها, وإنما قصدنا الحديث عنها بوصفها حالة واقعة تجسد المشهد الذي نسعى إلى توضيحه وتأمله.