Tuesday, March 13, 2012

استطراد: التفكير بطريقة مختلفة


 هذا المقال تابع للمقال السابق.


    بداية، وقبل الدخول في صلب الموضوع، أود أن أبدأ بالتنويه الذي أنهيت به مقالتي السابقة، وهو أن تناولي لشركة "آبل" هنا ليس استهدافا لها بحد ذاتها كشركة. إنما القصد هو تناولها باعتبارها أنموذجا حيا يجسد جانبا كبيرا من النظام الرأسمالي.

 
  • فكر بطريقة مختلفة:
لعل من أبرز ما يلفت انتباه الناظر إلى إعلانات شركة آبل وشعاراتها هو جملة "فكر بطريقة مختلفة" (Think differently). صحيح أنه تم التوقف عن استخدامه قبل سنوات، لكن دلالته  لا ينبغي أن نغض الطرف عنها. فللوهلة الأولى يشعرك هذا الشعار البسيط الرنان بالارتياح، ولكن مهلا.. ماذا تعني هذه العبارة في ظل السياسة التي تتبعها الشركة؟ في الحقيقة هي لا تعني شيئا. أو على الأقل لا وجود لعلاقة منطقية بينها وبين ما نظن أنها تعنيه. فهي يمكن اعتبارها تناقضا غريبا وطريفا بعض الشيء. ولكن ما هو أهم من ذلك أن دلالته الفكرية تشكل نموذجا حيا يلخص الحالة تماما ويظهرها بوضوح.

 فعندما يدعونا الشعار للتفكير بطريقة مختلفة، فمن المفترض أن يكون لذلك محل من الإعراب ضمن المنظومة التي تعمل الشركة في إطارها. لكن ذلك لا وجود له فعليا. فآبل شركة احتكارية بامتياز، فلا يمكن التعامل مع ما تقدمه من منتجات وخدمات إلا ضمن علاقة البائع والزبون فحسب. وليس هناك خيارات كثيرة أمام الزبون، وبالتالي فإن التفكير "بطريقة مختلفة" ليس مجديا وليس له معنى.

فالصورة هنا أشبه بصورة الأنظمة الاستبدادية التي ترتدي ثوبا زائف من الديمقراطية. فالديمقراطية وحرية التعبير هنا لا تعدو كونها شعارات لا تعدو كونها حبرا على ورق.

 فالمستخدم لما تنتجه آبل، ليس له الحق في أن يعدل عليه أو يطوره أو يضيف إليه. وبالتالي فأي فكرة تخطر ببالك لا يمكنك أن تطبقها على أرض الواقع فعليا.

لكن قد يكون هناك مقصدا آخر من وراء هذه العبارة وهي أن اقتناءك واستخدامك للآيفون أو الآيباد مثلا (بدلا من ما يشبهه من منتجات الشركات الآخرى)، تجعل منك شخصا مختلفا!
و لعل هذا التفسير أكثر منطقية من السابق، مما يجعله أكثر خطورة وأهمية. ذلك أن آبل تشتهر بمقدرتها الفائقة على تحويل مستخدميها إلى جماعة من المعجبين المغرمين بها. فهم لا يتوقفون على مدحها والتسبيح بحمدها اعتقادا منهم أنها تسعى دوما لراحتهم وتسهيل حياتهم. لا شك أن منتجات آبل ذات جودة عالية ورفاهية كبيرة (رغم تحفظي الشديد على هذه العبارة)، لكن هل هذا هو كل شي؟ لن أجيب عن هذا السؤال تجنبا للإطالة، لكن ربما في مقال قادم بإذن الله.

6 comments:

  1. متفق أن هناك سعارا ً استهلاكيا ً مطردا ً و متلونا ً بحسب تغير قناعات الناس و اتجاهات وعيهم!
    الأوليات بكل تأكيد مبعثرة و ليس فقط مشوهة!

    أحب أن أفكر بحلول و لو فردية الطابع و أعترف أنني أفشل في ذلك!

    ReplyDelete
  2. بالاعتقادي أن الحل الحقيقي يصعب أن يكون فرديا.

    قد يبدأ بشكل فردي ولا شك. لكنه قد يصمد طويلا إن لم يتحول إلى سلوك جماعي.
    و إن صمد فسيعتريه التناقض, و قد يصاب صاحبه بالعجز والفتور عن الاستمرار عليه وتحمل مشقاته.

    ReplyDelete
  3. هناك نقطه جوهريه يجب للجميع الانتباه لها.. التسويق ليس له بالضروره ان يكون انعكاسا حقيقيا للمنتج
    كهذه الشعارات الرنانه تدعوك لشيء واحد وهو ضمان نسبه ربح اعلى لصاحب المنتج
    يمكن ان يكون هناك معاني ضمنيه اخرى لكن الربح المادي هو سيد الموقف

    تحليل جميل وموفق يا عمر :)

    تحياتي لك

    ReplyDelete
  4. Palestinian Princess:

    شكرا لكي على المرور. :)

    وبالفعل كلامك سليم تماما. وبصراحة هذا ما يدفعني أحيانا إلى التطرف (وربما القسوة أيضا) في عدائي للتسويق بمفهومه وتطبيقه كما نعرفهما اليوم على الأقل.

    فأكاد أعلن عن تحدٍّ عام لكم من يعمل في مجال التسويق حول العالم (وخاصة أولائك الذين يدعون الأمانة والصدق في تعاملهم مع الزبون) أن يثبتوا لي أن لديهم الشجاعة على التركيز على نقائص وعيوب منتجهم بنفس القدر الذي تركيزهم على ميزاته وإيجابياته فخامته.

    و أكاد أؤمن تماما أنه لن ينجح منهم أحد في ذلك..
    طبعا إلا من رحم ربي..
    أكرر.. إلا من رحم ربي

    ReplyDelete
  5. هي هاي الا من رحم ربي.. والله يجعلني منهم :)

    ReplyDelete
  6. مقال أكثر من رائع! بس بدي أوضح نقطة هون.. استهدفت شركة أبل في شعاراتها وحتى صورة التفاحة المقضومة -التي تمثل بشكل أو بآخر تناول قضمة من فاكهة الجنة، يعني الحصول على ما لا يحصل عليه الجميع- فئة مهمة جدا يصعب إرضائها واجتذابها اللي هي فئة الشباب..

    من ناحية سلوكية، أول من يتبنى المنتجات الجديدة ويستخدموها وينشروها ويشهروها هي الفئة الشابة التي تبحث دائما عن الاختلاف الذي سيميزها عن الآخرين. عندما ذاع صيت أبل ما كان فيه لها منافس في نفس القوة على اجتذاب وإقناع هذه الفئة. وفي الوقت الذي حدث هذا الاجتذاب وتكوين علاقة خاصصة بين المنتج والمستهلك.. كبرت هذه الفئة في العمر لتنتقل فيما بعد لفئة لا تحب التغيير وتحتاج لوقت لتعلم استخدام منتجات جديدة هم ما عندهم هذا الوقت

    لاحظ الآن الفئة الشابة اليوم متجهة نحو نظم التشغيل الأندرويد وليس
    IOS بينما لا يزال شباب الأمس متمسكين بأجهزة أبل بإيديهم ورجليهم

    اعتراضي على شركة أبل متمثل في عدم قدرة المستهلك على الخروج عن المألوف مع منتجاتهم مثل ما حكيت.. بس كمان اعتراضيي على سياساتهم الداخلية مع موظفيهم وكثرة حالات الانتحار بينهم في عام 2010 بالإضافة إنه عمال ال assembly line ما بحياتهم شافوا المنتج النهائي اللي هم بصنعوه!ّ

    يعني مش لهالدرجة الفكر المادي المتحجر!

    هناك الكثير ليقال بس أكتفي بهذا القدر وسأترقب قراءة المزيد من مقالاتك

    ReplyDelete